الثلاثاء، 27 مايو 2008

لحظة حب - الأخيرة

إن المعرفة نور ... ومن نور الله يكون كل نور، ولحظة حب أضاءت لى – بنور الله – طريق
المعرفة والفهم ... و فى لحظة حب واحدة اختزل التاريخ كله، وتكور الزمان والمكان أمامى، وفهمت كيف
أن الدنيا لا تساوى همها، وأن الآخرة هي خير لنا بل وأبقى ...
ورأيت النور – نور الله يقذف فى قلبى – فتهيج كل أحاسيسى ومشاعرى وتضطرم الأشواق فى كل ذرات
جسدى، ويجرى الدم عاشقا ملتاها هاتفاً ... الله الله ربى .
هنا فى دنيا الناس، توجد قلوب قد تحجرت؛ منها من أخذ الدين رسوماً جوفاء، ومنها من عبد الله بخوف دون رجاء، ومنها من أظلم قلبه بطغيان المادة أو المعصية سواء، ومنها ومنها ... وهؤلاء، لا يعرفون معانى الحب أو حال المحبين؛ ولكن من رحمة رب العالمين، أن تبقى فى كل زمان ومكان تلك الطائفة المخفية في ظهور، والظاهرة في خفاء ... على الحق ظاهرين، يأخذون من كل شئ أحسنه، ومن كل سبيل أوسطه، ُتعمر قلوبهم بالحب قبل الخوف، وبالعفو قبل الانتقام، و بالرحمة قبل الغضب، و تكون الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، و تمر بهم تلك اللحظات... لحظات الحب القدسى وإشراقاته ... وتتحول من حال يحل ويرتحل إلى مقام دائم ومستقر... أصبو إلي هذه الطائفة، وأسعى إليهم، وأرتقب وصولي إليهم، في يوم ما... ولحظة ما... ومكان ما... بحبل من الله متين وممد من قدسه مكين...
مرت بى تلك اللحظة ... لكنها ليست كباق اللحظات ... مرت سريعا ومضت لكنها تركت أثراً ومعنى، وحنيناً يئن من وطئة الاغتراب وطول البعاد ... مرت وتركتنى أنادى الحبيب وأضرع إليه مع الإمام السهيلي مناجياً :
يا من يرى ما فى الضمير ويسمع ============= أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها ============= يا من إليه المشتكى و المفزع
يامن خزائن رزقه فى قول كن ============ امنن فإن الخير منك أجمع
مالى سوى فقرى إليك وسيلة ============= فبالافتقار إليك فقرى أدفع
مالى سوى قرعى لبابك حيلة ============= فلئن رددت فأى باب أقرع
ومن الذى أدعو و أهتف باسمه ============= إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصيا ============= الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبي وآله ============= خير الأنام ومن به يستشفع
اللهم لا تحرمنى حبك ولا تسلبنى محبتك واجعلنى ممن أحببتهم ورضيت عنهم فى تلك اللحظة ... وفى كل لحظة واجعلها اللهم مقام دائم ومستقر مكين... آمين .

الثلاثاء، 20 مايو 2008

لحظة حب 4

فى تلك اللحظة ... لحظة حب وخضوع، فهمت قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: " أرحنا بها يا بلال " كم كنت مرتاحا فى حضرتك ... كم كنت مرتاحا فى سجودى لك ... فى تلك اللحظة الغالية ... لحظة حب. وفى لحظة حب شعرت كم أنت منى قريب، وأحسست بك تسمع كلامى وترى مكانى وتعلم حالى ولا يخفى عليك شيء من أمري، ففاضت عبراتى، وارتعد القلب نشوة وحباً هاتفاً بصوت عميق نابع من عمق الأعماق ... يا حبيبى يا الله ... يا الله يا حبيبى أمد بها الصوت مدا ... فى نغم ساحر، و نداء خاشع، سكن به الجسد، واطمأن به القلب، وهدأت به الجوارح ... فى لحظة قدسية تمنيت لو كانت كل الحياة ... و كل الزمن.

وفى تلك اللحظة... لحظة حب، أحببت السجود لك، أحببته حبا أنسانى طوله فلم أشعر بالزمان لا المكان... على الأرض؛ سجد الجبين، وفى السماء؛ حلقت الروح فى عالم من جمال وروح وريحان، وشعرت بنعمة الإسلام لك، ولذة السجود لك، والقرب منك، والدعاء لك، والمناجاة معك ... مساكين هؤلاء الذى لا يعرفون الاستسلام لك، مساكين هؤلاء الذين لا يتلذذون بالسجود لك ... مساكين هؤلاء الذين يمرغون وجوههم فى التراب لغير وجهك ... مساكين هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة الحرية فى الخضوع لك وحدك، و السجود لجلال وجهك وعظيم سلطانك ... لقد شعرت بسجودى هذا أننى أعلى من كل قيود الأرض، حراً من كل جواذبها، وأقوى من كل مفاتنها، وأغنى من كل ملوكها، وأسمى من كل رذائلها، وكيف لا وأنا أسجد لك... وشعرت في سجودي هذا... بطعم غريب عجيب، ونكهة مميزة فريدة لا تستطيع الكلمات لها وصفاً، ... وشعرت أن سجدتي هذي هي سجدة الحرية الحقة التى تنعتق النفس فيها من أغلال الأرض، وقيود الأرض، وأحقاد الأرض، وفتن الأرض، وآلام الأرض، فتحررت نفسى وروحى وعقلى وكل كيانى، وصرت بها مولوداً جديداً، يحي حياة الأحرار، ويرجو موتة الأبرار، هكذا أحسست، وهكذا دندنت مع الشاعر:

لك سعيي.. وفيك غاية حبي *** ونجاوي ضراعتي.. وصلاتي

وسجودي معراج روحي وعقلي *** وانعتاقي.. ولذتي.. وحياتي

فى لحظة حب حرة من ضغط الأرض، وقيد الأرض، وفكر الأرض، وشر الأرض، وظلم الأرض، وقهر الأرض ... تتفتح أزهار، تورق أشجار، وتخضر الأرض التي كانت موغلة فى البعد عن الله ... وتعود البسمة غيبها ظلم الإنسان، فيا نفسي ويا زوجي ويا ولدي ويا كل الناس ... لحظة حب حرة تسرى فى قلوبنا ... تحييها من مواتها، وتبعث فيها من جديد ... حياتها.

الثلاثاء، 13 مايو 2008

لحظة حب 3


فى لحظة حب أحببتك ربى كما لم أحبك من قبل ... فى لحظة حب أحببتك ربى كما لم أحب أحدا من قبل ... فى لحظة حب أحببت بحبك كل من تحب ... فى لحظة حب أحببت بحبك السماء والأرض، أحببت الطيور والزروع والقفار، أحببت الجبال والسهول والوديان، أحببت الأسماك فى بحارها، والمعادن فى أغوارها وكل ما خلقت ... أليسوا جميعا بحبك وحمدك يسبحون؟

فى لحظة حب أحببت دينك الذى ارتضيت، ورسولك الذى بعثت، وكتابك الذى أنزلت، وكيف لا أحبهم ومن أجل سعادتنا كان ما ارتضيت وبعثت وأنزلت؟ أحببتهم حبا جديدا ... حبا كبيرا ... حبا عظيما فوق حب ...

فى لحظة حب أحببت أسماءك الحسنى وصفاتك العلى، تقدست ربى وتعاليت ... أحببتها حب فهم ومعرفة وذوق ... فى لحظة حب أحببت ندائك ومناجاتك بيا حنان يا منان يا ودود يا لطيف، و كيف لا وقد تفضلت و مننت ومن ألطاف جود المعانى وهبت ورزقت وأفضت ... فى لحظة حب عشت في ظلال الدعاء الرقيق الجميل للحبيب –صلى الله عليه وسلم- عيشة جديدة، بمعان جديدة، ودعاء جديد مفعم بالحب من أول حروفه إلى آخر معانيه: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب، فاجعله فراغاً لي فيما تحب، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم أحيي قلبي بحبك، واجعلني لك كما تحب، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله، وأرضيك بجسدي كله، اللهم اجعل حبي كله لك، وسعيي كله في مرضاتك."

في لحظة حب تفتحت أمامى أبواب رحمات واسعة غامرة فياضة مفعمة بكل معانى الحب ... الحب منك لكل عبادك وكل مخلوقاتك... وبدأت أفهم بعضا من معانى " الرحمن الرحيم " وبعضا من معانى آيات الرحمة في كتابك الكريم، فبرحمتك عشنا، وبرحمتك وفيها نعيش، و رحمتك نرجو أن تتغمدنا، فرحمتك العامة وهب لكل الناس، ورحمتك الخاصه وهب لمن تحب، فاللهم أجعلنا ممن تحب.

فى لحظة حب أحببت طاعتك، وتلذذت بمناجاتك وعبادتك، وعرفت أن من أحبك أطاعك ومن أطاعك أحبك، وفى لحظة حب كرهت معصيتك ... فكيف يعصيك من أحبك؟ بل هل يعصيك ابتداء محب؟

تعصى الله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمرى فى القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
فى كل يوم يبتديك بنعمة *** منه وأنت لشكر ذاك مضيع

وفى لحظة حب أحببت القرب منك ... أحببت التودد إليك، أحببت مناجاتك وحدى فى جوف الليل أو وضح النهار ... أحببت اعتمادى عليك ... أحببت اعتضادى بك، والارتكان إليك والارتماء على عتباتك ... متبتلا ... متذللا ... متوددا ... متناسيا ما قد أهم .

الخميس، 8 مايو 2008

خالد فتحي



السلام عليكم أصدقائي وقراء مدونتي ألأفاضل،
أستميحكم العذر على قطع سلسلة خواطري "لحظة حب" لأبثكم خاطرة اليوم التي كتبتها بعد صلاة الفجر عن أحد أصدقاء الدراسة. ولنا عودة إن شاء الله مع "لحظة حب 3" يوم الثلاثاء القادم.

خالد فتحي...
عرفته منذ أن كنا في المرحلة الإعدادية من أيام الصبا والدراسة، لكن علاقتي به لم تتوطد إلا في المرحلة الثانوية. كان شاباً فارع الطول قوي البنية يهابه من يراه دون أن يعرفه، ويحبه من يعرفه حتى ولو لم يره. كان مع قوة جسمه قوياً في علمه ولذا كان دائماً في فصل المتفوقين من مدرستنا. ولكن خالداً تميز عن الآخرين بخلق عال وحس مرهف وقلب عصفور نقي. كان منظماً تماماً في حياته ومنضبطاً تماماً مع نفسه والآخرين. تعاهدنا ونحن في الثانوي على حفظ القرآن الكريم، وانشغل المتعاهدون في أعمال كثيرة يمنة ويسرة، ولكن خالداً حافظ على عهده وأتم حفظ كتاب الله وحده حيث تخلفنا جميعاً عن ذلك الشرف والعز.
كان خالداً شديد الاعتزاز بدينه ووطنه وأهله. أذكر عندما كنا نزوره كيف كان يفخر بوالده –أحد أبطال الجيش المصري - ويزهو أمامنا بخوذته العسكرية ونياشينه التي كرم بها.
مرت مرحلة الثانوي بما كان فيها من أحداث، وكان خالد أحد جنودها الأخفياء، وكان مع ذلك من المتفوقين. تخرجنا من جامعاتنا وذهب كل منا لجهته، وعمل خالد في أحد الوظائف المحترمة التي تفانى فيها وأجاد. لم ألتق به منذ ذلك الحين إلا مرة أو مرتين، ولكني كنت أسمع أخباره بين الفينة والأخرى.
كنت في مكتبي أمس عندما حدثني أحد الأصدقاء على الهاتف ليخبرني عن خالد، وعلمت منه أن خالدا لم يتزوج إلا منذ أقل من عام، وأنه رزق قبل أسابيع مضت بأربعة توائم مرة واحدة، ولكنه ما لبث أن رأى أولاده حتى أصيب بمرض عضال في المخ بعد أسبوع من ولادتهم، ولم يمهله القدر إلا أسبوعاً آخر حتى انتقل بعدها إلى عالم أفضل من عالمنا، ورحاب أفسح من ضيق دنيانا، ورحمة أوسع وأرأف به من كل من قصروا معه في حق الصحبة وحق الأخوة مثلنا. انتقل خالد إلى ربه وترك لنا أثراً من آثاره... أربعة زهور تحمل اسمه وتذكرنا به كلما نسيناه. تمالكت نفسي وكتمت حزني حيث كنت في أحد الاجتماعات الدنيوية، ولكني لم أتمالكها وأنا في اجتماع آخر مع ربي في صلاة الفجر، وقلت لنفسي: إن أقل حقوق خالد علي بعد الدعاء له، أن أكتب عنه، لعل أحد القراء الصالحين يدعو له بدعوة مستجابة، ولعل ذلك يشفع لي عند الله تقصيري في حق أخوته.
لا أذكر طوال سني معرفتي به أنه آذى أحداً أو أساء إليه، بل كان نسمة من نسمات الربيع مرت في هدوء وتركت عبيرها في الدنيا.
أحسب أن خالدا من هؤلاء الأتقياء الأخفياء - ولا أزكيه على الله- وأحسبه من أهل الجنة والله حسيبه ومولاه.
اللهم ارحمه رحمة واسعة، وصبر زوجه وأهله، وأنبت ذريته نباتاً حسناً، وألحقنا به في الفردوس الأعلى مع الحبيب المصطفى. آمين

الثلاثاء، 6 مايو 2008

لحظة حب 2


مسكين هذاالشاب الذي يتخيل أنه يحب فتاة فيهيم بها ولهاً وينسى كل حدود ... مسكينة هذه الفتاة التي تظن أنها تحب فتى الأحلام فتهيم به ولهاً وتتجاوز كل حدود... مساكين هؤلاء المحبين عبرالأزمنة والقرون ... لم يعرفوا إلا نُتَفَاً من معنى الحب، وأنى لهم أن يعرفوا ولم يمروا بتلك اللحظة ... لحظة حب! فيا ليتهم سمعوا المحب وهو يهتف مناجياً:


وقد كان قلبي ضائعاً قبل حبكم
فكان بحب الخلق يلهو ويلعب
فلما دعا قلبي هواك أجابه
فلست أراه عن خبائك يمرح
هوى غيركم نار تلظى ومحبس
وحبكم الفردوس بل هو أفسح


لحظة حب خالد غمرت قلبي بكل معاني الحب، بكل معاني الشوق، بكل معاني العشق، بكل معان يعجز عنهاالقلم وتعجز عنهاالكلمات ... كل الكلمات. في تلك اللحظة ... لحظة حب، تمنيت لوكان ملك يدي روائع البيان وأبلغ الأشعار، ولوأن بلاغةالمتنبي وأبى تمام والجاحظ وكل البلغاء طوع بناني، ولوأن في عقلي بحر محيط من الألفاظ ودقائق المعاني، ولوأن كل قواميس لغةالضاد ... بل كل لغات الدنيامسطورةأمامي، لأعبر عن تلك اللحظة ... لحظة حب ... و لكن هيهات.


لحظة حب عامرة بالخير، في وقت عز فيه الخير وتاه وسط غابات الأشرار... لحظة حب غامرة بالنور، في وقت غرق فيه النور وتاه وسط بحور الظلمات ... لحظة حب مشرقة ملأت قلبي بضياء تتلألأ منه الأنوار، ملأت روحي بنعيم صغر أمامه كل نعيم الدنيا، وفهمت ولأول مرة، كيف يمكن أن تكون الجنة ... مجردأسماء للتشبيه لكن حقيقتهالم يطعم لذتهاأحدمن قبل، ولم ترهاعين من قبل، ولم تسمعهاأذن من قبل، ولم تخطر على قلب بشر من قبل... وفهمت ولأول مرة، كيف يشتاق أهل الجنة إليها... وفهمت ولأول مرة، كيف يشتاق المحبين إلى ربهم شوقاًيفوق شوق العاشقين المتيمين، شوقايصغرأمامه ذلك الشوق المتوهم بين بني الإنسان ويصغر ويصغر، حتى يصبح كنقطة صغيرة في منتصف دائرة الحب الإلهي الواسعة الفسيحة ... كل ذلك في تلك اللحظة ... لحظة حب!